كتاب موسوعة الخيول الجديدة: الخيول بدأت مسيرتها في التاريخ الانساني من البحر الأسود وقزوين

ربما تكون الخيول من أكثر الحيوانات ارتباطاً بالإنسان منذ وجوده على هذه الأرض. فهذه الحيوانات الرائعة بما تمثله من جمال خلاب وقوة عظيمة ووجود مهيب كان لها دور بارز في جميع مراحل التاريخ الممتد للتطور البشري. وكانت صور الخيول كرفيق أول للإنسان في حله وترحاله وشدته ورخائه وحربه وسلمه ماثلة أبداً في ذاكرة الإنسان حيث تزخر الحكايات والقصص والأحاديث وقصائد الشعر والفن بهذه المخلوقات البارعة. وهي ما زالت على الدوام رمزاً لنبل الإنسان وكرمه وجزءاً مهماً جداً من حياته لا يفارقه أبداً لترتبط أصالتها بأصالة الإنسان ووجودها بوجود الإنسان، ولتنال تلك الرعاية والاهتمام الكبيرين من جانب جميع الحضارات البشرية على مر العصور.

الشيء الأبرز الذي يميز موسوعة الخيول الجديدة هذه هو الجهد المضني الذي تجشم الكاتب عناءه لإخراج الكتاب على مثل هذه الصورة الرائعة. فالمؤلف في طبعته الجديدة من هذه الموسوعة قد أضاف الكثير إلى الطبعة الأولى بحيث يجد القاريء أكثر مما قد يتوقعه، فهناك مئات من الصور الرائعة الملونة لجميع أنواع الخيول، بحث تاريخي في سلالة الخيول وانحدارها الجيني، أنواع الخيول وأجناسها وما يميزها من حيث المظهر والقوة والجمال، والدور الذي لعبته وتلعبه تلك المخلوقات الرائعة في حياة الإنسان بدءاً من كونها وسيلة نقل أولى ودورها في الحروب والحياة العامة كالرياضة والفعاليات الأخرى حيث بات العديد من صنوف الرياضة يعتمد كلياً عليها.

وبالإضافة إلى ذلك يكرس المؤلف فصلاً للحديث عن أنساب الخيول وأصلها وأساليب ترويضها والاهتمام بها. ولا يغفل أيضاً الإشارة إلى الخيول العربية الأصيلة ودورها التاريخي في الحياة العربية والعالمية على حد سواء وأهميتها المتمثلة في كونها المصدر الأول الذي انحدر منه كثير من الخيول الأوروبية وإنها على الدوام منهل قوة هائلة وجمال رائع قل نظيره بين سائر أنواع الخيول.

وأخيراً وليس آخراً يتطرق المؤلف إلى دور الخيول وأهميتها في ولادة الامبراطوريات والدول ويكرس الكثير من صفحات الموسوعة للحديث عن دورها في ظهور وانتشار الإسلام والأهمية التي أولاها الرسول صلى الله عليه وسلم لهذه المخلوقات الرائعة ودورها في تكوين جيل قوي وعظيم وجيش استطاع أن يبلغ أقصى أركان الأرض لنشر الحضارة والدين الاسلامي الحنيف إلى معظم أرجاء المعمورة.

الخيول والبشر يرى المؤلف أن قصة الخيول تبدأ في فترة ما قبل التاريخ، قبل ملايين السنين، حيث كانت قطعان الخيول أحد مصادر الغذاء للجنس البشري كما تظهر الرسوم الدقيقة الموجودة في الكهوف الخاصة بالإنسان الكرومانيوني ما بين 15000-20000 سنة سابقة. وبعد تلك الفترة، وفيما يقرب بين 5000-6000 سنة منصرمة بدأت الشعوب الآرية البدوية التي كانت تسكن بجوار البحر الأسود وبحر قزوين بعملية تربية الخيول لتتطور العملية بسرعة بعدها.

لقد كانت الخيول آخر الحيوانات المنزلية التي تم ترويضها، بباعث من حجمها الكبير أو ربما مزاجها الذي لا يمكن التنبؤ أو التحكم به. وكان من شأن عملية الترويض هذه أن تغير، وفقاً لرأي المؤلف، مفهوم الحياة الإنسانية بالكامل لأنها منحت قوة لم يكن الإنسان يتصور وجودها أو يحلم بالتحكم بها بفعل ما فرضته الضرورة قبل ذلك على المجتمع الذي ظل ساكناً محدود التفكير. ومكن استخدام قوة الحصان الإنسان من التخلص من عبء العمل الشاق الذي يتطلبه نقل ممتلكات الناس أو التزويد بالمياه مما زاد بشكل هائل مدى المراعي المتوفرة. وثالثاً وإلى جانب دور الخيول في توفير متطلبات الحياة كالحليب واللحم والجلود والأسمدة التي يمكن استخدامها كوقود للنيران، فقد أسهمت قطعان الخيول في تطوير ثقافة كانت لها آثار بعيدة المنال في التاريخ الإنساني.

وفيما يخص ركوب الخيل، فإن الصدفة وحدها هي التي قادت إلى ذلك حيث ينوه إدواردز بأن شخصاً ما قد أدرك وهو يعتني بقطيع الخيول أهمية وجود أربع أرجل مقابل رجلين فتسلق منتصباً مهرة كبيرة في السن وهادئة ليصبح أول شخص يمتطي الخيول. وعندما بات ذلك الرجل على ظهر جواده غدت عملية الاعتناء بالقطعان يسيرة جداً لأن في وسعه الاحاطة بالقطعان معاً والتحرك إلى الأمام والخلف على نحو أسرع وأكثر راحة ورشاقة مما سيحصل لو تم ذلك من خلال السير على الأقدام، كما كانت الحال عليه سائدة قبل ذلك. وكان في مقدور الرجل الممتطي الفرس أن يقود القطيع أيضاً ويعيد العناصر المتخلفة منها إلى الأمام بفعل ما لديه من زوج من السياط التي يمسك بها أثناء ركوب الحصان.

وهكذا يخلص الكاتب إلى أن الشعوب وبعدما تعلمت ركوب الخيول واستخدامها لحمل الأثقال تزايدت الحركة بشكل هائل وتعاظمت السرعة مما فتح أمام القبائل نطاقاً واسعاً لا حد له من الأراضي الزراعية. ثم ينتقل الكاتب بعد ذلك للحديث عن دور الخيول في صناعة الحضارات الإنسانية وما انبنى على ذلك من ولادة الإمبراطوريات التي قامت بتوظيف الخيول بأشكال شتى كالعربات المتحركة وفرق الخيالة والتي ساهمت في تحقيق الانتصارات.

وبدأت ولادة العربات المتحركة التي تجرها الخيول، كما يشير ادواردز، في الأراضي المفتوحة المستوية في سوريا ومصر وأراضي الوديان الموجودة في العراق. وفي تلك الفترة كانت الخيول صغيرة إلى حد يتعذر معه ركوبها براحة في حين وفر زوج من عدة الخيول المرتبطة بعربة خفيفة وسيلة نقل لشخصين أو حتى ثلاثة أشخاص. وتم العثور على العجلات الصلبة في القبور السومرية التي تم التنقيب عنها في وادي دجلة والفرات، التي تمثل العراق حالياً، والتي تعود إلى 3500 سنة قبل الميلاد.

وهذه العجلات تظهر بشكل جلي أهمية الخيول وقدرتها على سحب العربات للانتقال بشكل يسير من مكان إلى آخر ومن دولة إلى آخرى، فأصبحت ذات أهمية أعظم مكنت الإنسان من الشروع بالعمليات التجارية من خلال نقل البضائع والتجارة. وبعد تلك المرحلة كان لابد للخيول من أن ترافق الإنسان في بحثه الدائم عن الهيمنة.

فكان لها دور بارز في الحروب وتحقيق الانتصارات وظهور الدول وأفول الامبراطوريات. وهكذا دخلت الخيول ضمن الصراع الإنساني لبسط نفوذه على أكبر رقعة من الأرض. ويذكر الكاتب ان الحضارات الأولى كالآشورية والسومرية والفارسية والإغريقية والرومانية قد نشأت وقضي عليها بمساعدة الأعداد الكبيرة من الخيول بينما عمل الخيالة كعامل محفز لتشكيل فرق خيالة قوية لما تلا من مجتمعات أوروبية. ويضرب لنا المؤلف العديد من الأمثلة لتلك الإمبراطوريات التي ظهرت على مدى التاريخ وكيف ساهم وجود الخيول وعمليات المناورة بواسطتها في إلحاق الهزائم والخسائر بالخصوم في الحروب.

وهو الأمر الذي بدأ من أولى مراحل التاريخ ولم يتوقف في العصر الحالي كما يشير الكاتب. فحتى بعد إكتشاف البارود وصناعة الأسلحة المتفجرة والمهلكة وفي ظل انتشار الرماة والمدفعية اتسمت فرق الخيالة بحضورها في الأربعمئة سنة الماضية لأن الأعداد الكبيرة من الخيول قد كان لها الدور الأكبر في تغيير حظوظ عالم الغرب المنهمك على الدوام بأعمال عسكرية.

وفي الحقيقة فإن الخيول وفرق الخيالة كما يبين المؤلف ظلت ذات تأثير واضح حتى في العصر الحديث وتطور الأسلوب القتالي الذي يعتمد على عامل المباغتة وكثافة القوة النارية، كما تجسد ذلك في القرن العشرين أثناء الحربين العالميتين. ويستعرض لنا أدواردز عدة حروب بدءاً من معركة مارستون مور عام 1648 ومعركة واترلو وحتى الحروب الحالية كما حصل للأفغان في مواجهة الروس عام 1979 ليبين من خلالها الدور الذي لعبته الخيول في حسم نتائج المعارك.

فنابليون كان يملك 130 فرساً لاستخدامه الشخصي وكان أقرب الخيول صلة به هو الحصان «مارينجو»، الذي تمت تسميته باسم المعركة التي حمل فيها ذلك الحصان سيده بشجاعة فائقة. وكان هذا الحصان الرائع من أصل عربي حيث تم استيراده من مصر وهو في عمر السادسة عام 1799 بعد معركة أبى قير.

وفي الحرب العالمية الأولى تم استخدام ملايين الخيول على شكل واسع ضمن تشكيلات الخيالة التقليدية وفي وسائط النقل عبر الأماكن الطينية الشاقة لجلب الأسلحة والمؤن ولتكون أشبه بسيارات الإسعاف في تلك المناطق. وكانت أرقام خسائر الخيول كما يوضح الكاتب مرعبة في الجبهة الغربية بسبب الأوبئة وسوء الإدارة حيث خسرت بريطانيا نحو نصف مليون جواد بين الأعوام 1914 و1918 بسبب التعرض الذي لا بد منه لنيران القتال.

وكان أفضل استخدام للخيول في تلك الحرب الكونية وبعيداً عن طين أوروبا في الحملة على فلسطين 1917-1918 بقيادة الجنرال أدموند اللنبي الذي كان أكثر القادة موهبة في جانبي القتال وفقاً لرأي أدواردز. وقام اللنبي بشن هجوم الخيالة لاختراق خط غزة-بئر السبع عام 1917 حيث احتل اللواء الأسترالي الرابع المؤلف من الخيالة الخفيفة بئر السبع وأسر 1000 تركي و9 مدافع مقابل خسارة لا تتعدى أكثر من 32 رجلاً.

واستمر استخدام الخيول وفرق الخيالة في الحرب العالمية الثانية على الرغم من أنها باتت لا تجدي نفعاً مع القوة الهائلة والمهلكة للأسلحة التي تم استخدامها. ويضرب لنا المؤلف أمثلة على ما حصل في تلك الحرب. ويقول إن بولندا كانت آخر دولة تعتمد كثيراً على الخيول حيث دخلت الحرب وفي حوزتها 86 ألف جواد وسقط الكثير منها أمام المدرعات الألمانية. وفي عام 1939 خسر لواء الخيالة بوميرين 2000 من الخيول من أصل 3000 في أقل من نصف ساعة عندما هاجمته الطائرات الألمانية الانقضاضية. وكان المثال الآخر يتعلق بما حصل في نوفمبر 1941 عندما هاجمت الفرقة 44 المنغولية الروسية فرقة المشاة الألمانية 106 بمدافعها المساندة بالقرب من قرية موسينو.

وهناك فتح المشاة الألمان النيران ليقتلوا في غضون دقائق 2000 من الخيول والخيالة في الميدان بينما لم يتكبد الألمان أي خسائر.

وكان دور الخيول بارزاً في الحروب الحديثة أيضاً كما حصل في أفغانستان. ويذكر أدواردز أن الاتحاد السوفييتي الذي يتمتع بقوة هائلة قد قام بغزو أفغانستان الفقيرة والمعدمة عام 1979 في عملية اعتداء غير مبررة. وقدر لهذه القوة السوفييتية ذات الأسلحة المتطورة والحديثة والمجهزة بغطاء جوي أن تذل وتتحطم على يد المجاهدين ورجال القبائل الذين تمكنوا من السيطرة على التلال ليقضوا مضاجع الجنود الروس وليتحكموا بخطوط الاتصال فبات الروس اليائسون عرضة لهجوم ناري صغير ومتواصل من جانب الصواريخ ومدافع الهاون الأفغانية.

ويعلل المؤلف قدرة الأفغان على إلحاق الخسائر بالروس وهزيمتهم بالمحصلة النهائية بفعل الدور الذي لعبته الخيول والمهور التي منحت حركة رشيقة في تضاريس شاقة بشكل مستحيل لم يقدر العدو على السير فيها. وكانت الخيول أيضاً وسيلة مثالية لنقل المدافع والذخيرة وقاذفات الصواريخ بينما حملت أنواع من الخيول تسمى بـ «كابولي وتركمين» أثقالاً هائلة أعلى وأسفل المنحدرات ووديان الجبال الصخرية. وتم استخدامها أيضاً كما يختتم الكاتب للقيام بغارات خفيفة على المواقع الروسية ليتم سحبها بسرعة صوب التلال الآمنة التي كان يتعذر على الروس الدخول إليها. وفي الرياضة احتلت الخيول منذ ترويضها مكاناً مرموقاً لما كانت تتمتع به من رشاقة في الحركة ومناورة كبيرة الأمر الذي مكن الفرسان من إبتكار الكثير من الرياضات التي تقوم على وجود الخيول.

ويحدد الكاتب الفترة التي تم استخدام الخيول في الرياضات والمسابقات كركوب الخيل في الـ 3000 سنة المنصرمة حيث مارست الحضارات القائمة آنذاك كالحضارة اليونانية والرومانية مختلف الرياضات التي تماثل تماماً في شكلها ومنافساتها الرياضات الحالية. ومن الرياضات العديدة التي يذكرها المؤلف رياضة السباق بالجياد التي تعتبر رياضة الملوك بفعل إقترانها بالملكية البريطانية منذ عهد ملوك آل ستيوارت.

وكانت هذه الرياضة في الأصل تطوراً لسباق الجياد في انجلترا في القرنين السابع عشر والثامن عشر حيث سارت معظم دول العالم على النهج البريطاني في سباق الخيول. وللعرب دور كبير في ممارسة هذه الرياضة التي تجسد أفضل إستخدام للخيول من جانب وتبرز في الوقت ذاته قوة الحصان وقدرته على التحمل ورشاقته في الحركة بينما تؤكد على دور الفارس في قيادة الحصان بشكل أفضل.

والجانب الأخير من علاقة الخيل بالإنسان يتمثل بالرعاية التي أولاها الإنسان منذ قديم الزمان لتوفير افضل عناية ورعاية لهذه المخلوقات الجميلة. ويقول أدواردز إن الخيول كانت على الدوام أكثر الحيوانات التي تعلق بها الانسان وأولاها اهتماماً لا يقارن مع بقية الحيوانات التي تم إمتلاكها. وقد انشغل بال مالكي الخيول أبداً بتوفير إدارة لها تضمن تحقيق حالة صحية مثالية وأقصى كفاءة عمل مطلوبة من جانب الخيول.

وكان هاجس الإنسان منذ البداية تقويم طبيعة الخيول والعمليات العقلية كي يظل الحصان مستقراً من حيث المزاج داخل البيئة المنزلية. ومن خلال دراسة تركيب جسد الخيول والوظائف التي تؤديها الأجزاء الأساسية من الجسم تعرف الإنسان إلى كيفية توفير أفضل دليل عمل يخص تخطيط برامج العناية والتدريب والسبل التي تفضي الى أفضل تنفيذ لمثل هذه البرامج. زد على ذلك تمكن الإنسان من خلال تلك البرامج من معرفة أفضل أداء بوسع الخيول أن تقوم به.

ويشير ادواردز إلى أن تمتع الخيول بأفضل نسب من البرامج والرعاية سيمكنها من التمتع بأعظم القدرات لأن مثل ذلك سيتحكم على نحو مؤثر جداً بفاعلية الحركة ويقلل بشكل هائل خطر الأمراض. وبالنسبة لغذاء الخيول فقد أدرك الإنسان أن المعرفة بعملية هضم الغذاء التي تحصل في معدة الخيول مهمة جداً لإدارة الخيول ولتحقيق أكثر كفاءة وأداء لكامل الجسم. فرادة الخيول العربية يكرس المؤلف فصلاً كاملاً في هذه الموسوعة التي نناقشها هنا للحديث عن الخيول العربية وأصالتها وتأثيرها على تاريخ الخيول لما لها من جمالية وقوة متميزتين.

ويعتبر أدواردز الحصان العربي المصدر الرئيس لسلالة خيول العالم. وبسبب نقائها الجيني فإنها، كما يقول، متمتعة بتفوق رائع من حيث الأصل والنوع وشخصية قوية تحدث على الدوام تأثيراً متطوراً ومنقياً. وقد لعبت الخيول العربية دوراً مهماً في تطوير جميع سلالات الخيول المعروفة، بالإضافة إلى مساهمتها الأكبر في ولادة الخيول «الأصيلة» التي لا تناظر الخيول العربية من حيث الجمال والذكاء والصحة وقوة التحمل على الرغم من أن هذه الخيول أكبر وأسرع من الخيول العربية.

وبالنسبة لأصل الفرس العربي يشير الكاتب الى وجود دليل قوي جداً للشخصية العربية الثابتة والمميزة في شبه الجزيرة العربية أو ما حولها في نحو من 2500 سنة قبل ميلاد المسيح. فالقبائل البدوية في الصحراء العربية التي ترتبط مع العرب بشكل راسخ قد كانت لها علاقات مع الخيول المتمثلة بالفرس الباز والفحل وما شابه، إذ تمتد هذه العلاقة التاريخية إلى عام 3000 قبل الميلاد، حيث تم الإمساك بالأول من جانب الباز في اليمن، وهو أحد أحفاد حفيد نوح عليه السلام. وقام البدو كما يوضح أدواردز بالحفاظ على نقاء سلالة الخيل بشكل دقيق عندما قاموا بالاشراف على عمليات التزاوج بين تلك الخيول بأسلوب كان في غاية من العناية حدد لهم خصائص ثابتة ومفضلة لما تلا من ولادات.

وتحقق ذلك بفعل عدة عوامل كان أهمها غياب التأثير الخارجي ووجود البيئة القاسية والحياة البدوية الشاقة لتظهر الخيول على تلك الصورة المميزة من حيث الصحة ورشاقة الحركة والشكل الجميل وقدرات هائلة على التحمل التي لا نظير لها لدى أي خيول أخرى.

وبالنسبة للشكل فيرى أدواردز أن الحصان العربي ذو مظهر فريد بين أجناس الخيول. وليس ثمة نوع واحد نقي من الخيول العربية الحقيقية حيث توجد اختلافات في التفاصيل مما يحول دون الحديث عن النوع الكامل. وأهم صفة مميزة يراها الكاتب وتتسم بها الخيول العربية هي الرأس الجاف، الناعم جداً، والقصير، الذي له عروق يمكن معاينتها بوضوح.

أما المظهر الجانبي فيبدو فيه الرأس مقعراً والجبهة محدبة تشكل هيئة تشبه الدرع. ويتسم خطم الخيل بصغره ويعلوه منخاران واسعان جداً يتوهجان بصورة واسعة. ومن جانب آخر يحتضن الوجه الجميل عينين رائعتين معبرتين وواسعتين وأذنين قصيرتين ومتحركتين منحنيتين .

وفيما يخص عظام الفكين فهي دائرية بشكل واسع. وكلما كان الانحناء كبيراً تمتع الرأس بحركة أوسع في جميع الاتجاهات. وللخيول العربية 17 ضلعاً وخمس فقرات قطنية و16 عظماً في الذيل أو المؤخرة، في الوقت الذي يكون ترتيب هذه الفقرات والعظام لدى سائر الخيول 18-6-18 على التوالي.

ويمنح تشكيل العظام هذا الخيول العربية شكلاً مميزاً للمؤخرة وللجزء العالي الذي يحتضن الذيل، بينما تتسم الحركة بالطوفان إذ يصفها الكاتب كما لو أن الخيل يسير على نوابض غير مرئية. والنوع الثاني من الخيول الذي يتكلم عنه أدواردز فهو «البارب» الموجود في شمال أفريقيا. وهذا النوع من الخيول هو خيول صحراوية تختلف عن الخيل العربي من حيث المظهر والشخصية. وثمة نظرية تقول إن هذا الحصان، الذي هو ثاني جنس من أجناس العالم الأولى، قد انحدر من خيول متوحشة في مناطق ساحلية خصبة تمكنت من النجاة من كوارث العصر الجليدي.

وتعود علاقة البارب بالخيل العربي إلى الفتوحات الإسلامية في القرنين السابع والثامن بحيث بات حصان البارب المعاصر يتمتع بنسبة من الدم العربي. وهو بالإضافة إلى ذلك مقاوم للحرارة والجفاف بشكل كبير وذو قوة كبيرة على التحمل. وهنا يتطرق المؤلف إلى الدور الذي لعبه حصان البارب تاريخياً تماماً كما أسهمت الخيول العربية في الفتوحات الإسلامية.

فخيول البارب وخيالتها شكلت جزءاً أساسياً من الجيوش الإسلامية التي فتحت الاندلس في القرن الثامن ولعب كذلك البارب دوراً رئيساً في تطوير الحصان الإسباني الذي يتجسد في عصرنا الحالي بالفرس الأندلسي الذي هو في الحقيقة النموذج المنحدر عن ذلك الحصان.

زد على ذلك حسبما يشير المؤلف أن دور حصان البارب مؤثر في ظهور الفرس «الأصيل» حيث تم إرسال الكثير من هذه الخيول وخيالتها ومدربيها إلى مزارع تربية الخيول الملكية في انجلترا. وكان الحصان رون باربي كما يقول أدواردز الحصان المفضل لدى ريتشارد الثاني (1377-1399). وكان لتلك الخيول تأثير في ظهور الخيول الأيرلندية لأن هذه الخيول السريعة قد جاءت من الأراضي التونسية. ولا يغفل الكاتب عن القول إن لخيول البارب تأثيراً في الخيول الفرنسية.

ويعزو السبب في ذلك إلى ما حصل في العام 732 في معركة بلاط الشهداء حيث تركت الجيوش الإسلامية وراءها مئات من الخيول التي مكثت هناك لتكون غنيمة كبيرة للفرنسيين للشروع بعمليات إستيلاد بواسطة هذه الخيول. أما الخيول الأنجلو ـ عربية فيراها أدواردز نتيجة للمصاهرة بين نسلين بارزين : الأصيل الذي يعتبر أعظم جنس خيل في العالم وأسلافه من الخيول العربية. وبدأت هذه العملية في بريطانيا حيث تم تطوير الخيل «الأصيل» في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. ويتم تكاثر مثل هذه الخيول العربية الأصيلة حالياً في عدة بلدان حيث يذكر الكاتب أن فرنسا على مدى الـ 150 سنة المنصرمة قد تخصصت في إنتاج خيول أنجلو-عربية قوية متعددة الخصال. وفي المملكة المتحدة فإن الخيول الأنجلو ـ عربية هي تزاوج بين الذكر الأصيل والمهرة العربية أو العكس بالعكس. وتنتج المملكة المتحدة مثل هذا النوع من الخيول عالية الكفاءة على نطاق محدود جداً بالمقارنة مع العملية الفرنسية الواسعة والمنظمة بشكل جيد.

والممارسة الشائعة لمربي الخيول البريطانيين في الجمع بين فحل عربي ومهرة أصيلة إذا كانت الرغبة تتحدد بولادة صغار أكبر من والديهم. أما العملية العكسية والتي تحصل بمزاوجة أب أصيل من أم عربية ستنجب صغاراً أقل حجماً ذوي قيمة مالية أقل من ذرية نقية من كلا النوعين. ويعزو الكاتب ظهور الخيول الانجلو ـ عربية في فرنسا إلى التشجيع الذي وفرته مزارع تكاثر الخيول القومية والقديمة العهد. وكانت مثل هذه المزارع، كما يبين أدواردز، العامل الرئيس في تكاثر الخيول عندما تم تكوينها أول مرة على يد كولبير، وزير لويس الرابع عشر، في القرن السابع عشر.

وتم نقل مثل هذه الخيول العربية إلى الاصطبلات الملكية بينما توسع دورها مع وصول نابليون بونابرت عند نهاية القرن الثامن عشر ليشمل هذا الدور توفير خيول بديلة لفرق الخيالة أثناء الحملات. وشمل نظام التكاثر الخيول العربية الصحراوية التي تم جلبها من تونس وسوريا وتم تزاوجها مع مهرات فرنسية. الخيول في الحضارة الإسلامية ربما يكون الكاتب هنا وفي معرض حديثه عن أثر الخيول وارتباطها بالحضارة التي نشأت فيها من الكتاب القلائل الذين تحدثوا بإنصاف عن الفتوحات الإسلامية وأثرها أولاً في نقل التقدم والتطور إلى أوروبا وتصدير ذلك الجيل من الخيول العربية التي كان لها أكبر الأثر في ظهور وولادة جيل آخر من الخيول في جميع أنحاء العالم وليس في أوروبا حصراً.

فمن جانب تاريخي يشير أدواردز الى ان الانتشار الإسلامي الذي تمثل بالفتوحات إبان القرنين السابع والثامن قد أطلق العنان لسلسلة الأحداث التي ساهمت بشكل مؤكد في خروج أوروبا من القرون المظلمة صوب عصر النهضة وولادة الإنسانية مرة أخرى. ويشير أيضاً الى ان الإسلام، وعلى عكس الفتوحات الأخرى التي لم تخلف وراءها آثاراً دائمة، قد ترك تراثاً غنياً للعالم من خلال البناء المعماري الرائع وتثمينه وممارسته للفنون والعلوم. وترك أيضاً خيولاً لا نظير لها اعتمدت عليها تلك الإنجازات الإسلامية. ويطرح المؤلف عدة أمور أسهمت في نجاح المسلمين في الوصول إلى سور الصين وتطويق أوروبا. ويقول إن العرب كانوا يميلون إلى الجمال أكثر من الخيول في البداية واستطاعوا بحلول القرن الرابع بعد الميلاد نقل ذلك المجتمع القبلي ليميل أكثر صوب الخيول. ولكن عند ظهور الاسلام في القرن السادس وتأثيره البارز في الحضارة والتقدم قد منح الدافع والحافز لتربية وامتلاك الخيول.

ومثل هذه الوسيلة التي تجسدت بالخيول القوية قد مهدت السبل للفتح الإسلامي وأثرت في مستقبل نمو الخيول. فكلما سارت الخيول مع جيوش المسلمين الفاتحة اتصلت هذه الخيول مع الخيول الأخرى في تلك الأماكن لتترك الخيول العربية بصماتها الواضحة التي لا يمكن إخفاؤها على أجيال الخيول، والتي مازالت ظاهرة حتى الوقت الحالي.

طالع المزيد عن